كيف اصبحوا عظماء ؟؟؟ (بقي بن مخلد الأندلسي )

مرسلة بواسطة غير معرف يوم 0 التعليقات


يحدث بقي بقصته فيقول :

رحلتُ ماشياً على قدمي من بلدي الأندلس ( تدعى اليوم أسبانيا ) فذهبتُ إلى مكة ثم إلى بغداد - الطائرة تحتاج إلى ست ساعات حتى تقطع هذه المسافة ، فكم من الشهور مشى بقي بن مخلد حتى يقطع هذه المسافة ؟!

كان همي و بغيتي ملاقاة أحمد بن حنبل ، فلما دخلتُ بغداد بلغتني محنة الإمام أحمد ، وما حلّ به ، وأنه ممنوع من ملاقاة الناس ، فاغتممت غماً شديداً .

لقد سُجن الإمام أحمد سنتين وأربعة أشهر في مسألة خلق القرآن ، ورفض موافقة الخليفة المأمون ومن بعده الخليفة المعتصم على القول بأن القرآن مخلوق ، فسجنه وعذبه.

وفي هذا يقول الإمام أحمد بن حنبل :" لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم ، وقال : ائتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فجعل يتقدم إليَّ الرجل فيضربني سوطين ، فيقول له : شد قطع الله يدك ، ثم يتنحى ، ويقوم آخر ، فيضربني سوطين ، وهو يقول في كل لك :"شد ، قطع الله يدك " ، فلما ضُرِبتُ تسعة عشر سوطاً قام إليَّ، وقال : يا أحمد علامَ تقتل نفسكَ؟ إني والله عليك لشفيق ، أتريد أن تغلب هؤلاء؟


وجعل بعضهم يقول : ويلك الخليفة على رأسك قائم.
وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله .
فقال المعتصم : ويحك يا أحمد ، ما تقول .
فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به .
فرجع المعتصم وجلس ، وقال للجلاد : تقدم وأوجع ، قطع الله يدك .

ثم قام المعتصم الثانية ، فجعل يقول : ويحك يا أحمد أجبني .
فجعل الناس يقبلون عليَّ ويقولون : يا أحمد ، إمامك على رأسك قائم.
وجعل المعتصم يقول : ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك يدي.

فقلت : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئاً من كتاب الله .
فيرجع ، ويقول للجلادين : " تقدموا " ، فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى.
قال أحمد : فذهب عقلي .

قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي : دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب ، فقلت له في بعض كلامي : يا أبا عبدالله ، عليك عيال ولك صبيان ، وأنت معذور - كأني أسهل عليه الإجابة - فقال لي أحمد : إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد ، فقد استرحتَ.


وبعد الضرب الشديد والسجن، خاف المعتصم أن يموت الإمام أحمد ، فيثور الناس عليه ، فرفع عنه الضرب وسلمه إلى أهله ، فبقي نختفياً طوال مدة خلافة المعتصم والواثق .


اشتد الواثق في مسألة خلق القرآن كثيراً ، وساعده على ذلك وزيره أحمد بن أبي دؤاد ، الذي استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، استمر الواثق على ذلك حتى ملّ المحنة وسئمتها نفسه فرجع عنها في آخر عمره .

هذا أبو عبدالرحمن بن محمد الآذرمي شيخ أبو داود والنسائي يحمل مكبلاً بالحديد من بلاده إلى الواثق ، فسأله ابن ابي دؤاد في مجلس الواثق عن قوله في القرآن .

فقال له الشيخ : هذا الذي تقلوله يابن دؤاد من خلق القرآن شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي أم جهلوه ؟
قال ابن أبي دؤاد : بل علموه .
قال الشيخ : فهل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أو سكتوا ؟
فقال : بل سكتوا .
قال الشيخ : فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت ؟
فبهتوا وضحك الواثق ، وقام قابضاً على فمه وهو يقول : هلا وسعك ما وسعهم ويكررها ، ثم أمر أن يُعطى الرجل ثلاثمائة دينار ويُرد إلى بلده ، ولم يمتحن أحد بعدها ، وسخط على ابن أبي دؤاد من يومئذ .


ويتابع بقي حديثه فيقول :
أجَّرتُ بيتاً أنام فيه تلك الليلة ، وفي فجر اليوم التالي دخلتُ المسجد فإذا برجل يتكلم في الرجال - أن أنه يتكلم عن علم الرجال، وهو العلم الذي يهتم بحال الرجال ، ويحدد أمانتهم وصدقهم وقوة حفظهم ، فقول عن هذا ثقة ، وعن آخر ضعيف ، وآخر كذاب ، وهذا صدوق ، وهذا ينسى .. وهكذا .

فقيل لي عن الرجل الذي يتحدث في المسجد ويتكلم عن حال الرجال : أنه يحيى بن معين ، صاحب الإمام أحمد ورفيقه في طلب العلم ، فأحببتُ أن أسأله عن بعض الرجال فحاولت أن أقترب منه ففرجت لي فرجة ، فدنوتُ منه وقمت إليه ، فقلت له : يا أبا زكريا، رحمك الله رجلٌ غريبٌ بعيدٌ عن وطنه ، يحب السؤال ولدي أسئلة كثيرة فاصبر عليَّ .

فقال : قل ، فسألت عن بعض من لقيته من الرجال، فبعضاً زكى وأثنى عليهم وبعضاً جرح وبيَّن سوء حالهم في حديث ، فسألته عن هشام بن عمار ، فقال لي : أبو الوليد صاحب الصلاة دمش ، ثقة ، وفوق الثقة ، لو كان تحت رادئه كبرٌ أو متقلداً كبر اما ضره شيءٌ لخيرة وفضله .

فصاح أصحاب الحلقة تلاميذ يحيى بن معين : يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال ، فقلت : لم يبق لي إلا سؤال عن ورجل واحد ، أحمد بن حنبل ، فنظر إليَّ يحيى كالمتعجب ، فقال لي : ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ؟ ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم .

فخرجت من المسجد من فوري أستدل على منزل أحمد بن حنبل ، فدُللت عليه ، فقرعت بابه ، فخرج إليَّ.
فقلت : يا أبا عبدالله ، رجل غريب بعيد عن بلده ، هذا أول دخولي هذا البلد ، وآنا طالب حديث ومقيّد سُنّة ، ولم تكن رحلتي إلا إليك لأتعلم منك .
فقال لي : وأين موضوعك؟
قلت : المغرب الأقصى .
فقال : إفريقية ؟
قلت : أبعد من إفريقيه ، أجور من بلدي البحر إلى أفريقيه ، بدلي الأندلس.

قال : إن موضوعك لبعيد ، وما كان شي أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك وأبذل لك كل ما أستطيع ، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك ، وآنا الآن لا يُسمح لي بملاقاة الناس والتحدث إليهم ، إني مسجون في بيتي .
فقلت : لقد بلغني ما أنت فيه ، وهذا أول دخولي بلدكم ، وآنا مجهول العين عندكم ، لا يعرفني أحد ، فإذا أذنت لي أن آتي كل يوم في ثياب الفقراء ، فأقول عند بابك ما يقوله الفقراء والشحاذون ،
فتخرج إليَّ عند بابك ، فلو لم تحدثني كل يوم إلا حديث واحد لكان لي فيه كفايه .
فقال لي : نعم على شرط الأ تظهر في الناس ولا يتعرف عليك أحد ولا تذهب إلى مجالس المُحدثين .
فقلت : لك شرطك ، فكنت آخذ عصاً بيدي ، وألف رأسي بخرقة متسخة وأجعل أوراقي في كمي ، وآتي بابه ، فأصيح : الأجر – رحمك الله – وهذا ما ينادي به الشحاذون في بغداد ، فيخرج أحمد إليَّ ويدخلني بيته ويغلق بابه دوني ، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر ، فالتزمت ذلك حتى مات الخليفة الممتحنِ له الخليفة الواثق .

وَوُليَّ بعده من كان على مذهب السنه الخليفة المتوكل ، فقد أظهر ميلاً عظيماً إلى السنه ، فرفع المحنه وكتب بذلك إلى الآفاق واستقدم المحدثين إلى " سامرا " وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه وتعظيمه ، حتى قيل الخلفة ثلاثة أبو بكر الصديق في قتل أهل رده ، وعمر بن عبد العزيز في رد الظالم ، والمتوكل في إحياء السنه .

فقد نصر أحمد ونكّل بأعدائه ، فظهر أحمد وعلت إمامته ، وكانت تُضرب إليه آباط الإبل ، حتى بلغ منزلة لم يبلغها ملك ولا قائد ولا أمير.


لم ينس الإمام أحمد معناتي معه في طلب العلم فكان يعرف لي حق صبري ، فكنت إذا أتيت حلقته العظيمة ، وهو بين تلاميذه ، فسّح لي وأوسع لبي مجلسه ، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه ، فكان يقرأ عليَّ الحديث وأقرأه عليه .

ومرت الأيام وآنا على تلك المكانه عند أحمد ، حتى أصابني مرض فأرقدني في سريري ، ففقدني من مجلسه فسأل عني ، فأُعلم بعلتي ، فقام من فوره مقبلاً عليَّ عائداَ لي بمن معه ، وآنا مضطبجع في البيت الذي كنت قدّ أجّرت ، وكسائي عليَّ وكتبي عند رأسي ، فسمعت الفندق قد ارتج بأهله ، وآنا أسمعهم : هو ذاك أبصروه ، وهذا إمام المسلمين مقبلاً .
فأسرع إليّ صاحب الفندق قائلاً : يا بقي هذا أحمد بن حنبل إمام المسلمين مقبلاً عليك ، عائداً لك ، فدخل فجلس عند رأسي ، وقد امتلآ الفندق من أصحابه فلم يسعهم ، حتى صارت فرقة منهم في دار وقوفاً وأقلامهم بأيديهم ، فما زادني على هذه الكلمات .

فقال لي : يا أبا عبدالرحمن أبشر بثواب الله ، أيام الصحة لا سقم فيها ، وأيام السقم لا صحة فيها ، أعلاك الله إلى العافيه ، ومسح عنك بيمينه الشافيه ، فرأيت الأقلام تكتب لفظه ، ثم خرج عني ، فأتاني أهل الفندق يلطفون بس ويخدمونني ، فواحد يأتي بفراش ، وآخر بلحاف ، وبأطايب الأغذيه ، وكانوا في تمريضي أكثر من تمريض أهلي لو كنتُ بين أظهرهم .


قام بقي بن مخلد القرطبي الأندلسي برحلتين إلى مصر والشام والحجاز وبغداد طلباً للعلم ، أمتدت الرحله الأولى أربعة عشر عاماً ، والثانيه عشرين عاماً .

ولقد كان ارتحاله كله من الأندلس وعلى قديمه


نعم والله عليه قدميه !!. 


0 التعليقات:

إرسال تعليق